920009882   harakia@harakia.org.sa
السبت - الأربعاء : 6م حتى 10:30م
نظرة إنصاف للمتقاعدين

سلمان بن محمد العُمري

ما أسوأ الخريف ، عندما تسقط أوراق الأشجار وتجف أغصانها ، وتتحول إلى مجرد حطب للتدفئة تلتهمه النار ، هكذا وجدتني أتحدث إلى نفسي ، وأنا أطالع دراسة خاصة بحجم المتقاعدين في بلادنا ، وأحاول أن أقترب من معاناة هذا الخريف، وأسال نفسي هل ينطبق على الإنسان ما ينطبق على الأشجار عندما تشيخ ، لا ظل لها ولا ثمر ؟ وهل تنتهي صلاحية الإنسان الذي كرمه الله وأمضى باحترام شيخوخته ، عندما يبلغ سن التقاعد؟.

أعترف أن شيئاً هزني بعنف من الداخل وأنا اقرأ أن عدد المتقاعدين في بلادنا يتجاوز ستمائة وخمسين ألف مواطن ، وأسفت كثيراً عندما علمت أن 40% منهم لا يملكون بيوتاً وأن 32% من هذا العدد ، يحصلون على الحد الأدنى من رواتب التقاعد، وهو مبلغ لا يكفي ما قد يحتاجونه لاستمرار الحياة بصورة كريمة ، من متطلبات الحياة الأساسية.

طغت إلى مخيلتي صورة « خيل الحكومة « التي كانت تستخدم في بعض البلدان في الدوائر الحكومية للانتقالات ، وغيرها من الاستخدامات ، وعندما تهرم ويقل نفعها يتم قتلها أو بيعها بأثمان زهيدة ليركبها الأطفال للتنزه في أماكن الترفيه .

وتزاحمت في رأسي الأسئلة الحائرة بين الواقع والمفترض هل يكون جزاء العمل والبذل والاجتهاد في العمل لسنوات طويلة ، معاناة قد تطول في خريف العمر ، لا يستطيع معها المتقاعد أن يلبي احتياجات نفسه أو عائلته ، بخلاف معاناته الصحية بفعل السن ، وآلام الشعور بأنه خارج معركة الحياة.

هل من الرحمة أن نترك هؤلاء المتقاعدين تعترضهم حسرة الفراغ والحاجة ، واجترار ذكريات أيام خلت ، لماذا لا توجد آلية للاستفادة من خبرات هؤلاء المتقاعدين وكثير منهم ما زال يمتلك القدرة على العطاء والعمل ويرغب في ذلك ، ولا سيما أن كثيراً من مجالات العمل تحتاج لمثل هذه الخبرات الوطنية بالفعل وربما تم استقدامها من الخارج بعد تقاعد أصحابها. للأسف أن البعض منا ينظرون للمتقاعدين نظرة قاسية غير منصفة ، باعتبارهم طاقات مستهلكة، لا نفع لها ، وأصحاب هذه النظرة القاصرة ، لا يدركون أن خبرة الحياة وخبرات العمل التراكمية ، تجعل من هؤلاء المتقاعدين كفاءات حقيقية تملك من الخبرة والحكمة ما لا يتوافر لكثير ممن هم أصغر سناً ، وفي أكثر الدول تقدماً ، يعرفون ذلك جيداً ، فقيمة الإنسان ترادف قدرته على العطاء ، ولا تحسب بعمر فالوصول إلى سن التقاعد لا يعني نهاية الحياة .

وفي ضوء ذلك ، فالدعوة موجهة ومفتوحة لإيجاد آلية للاستفادة من هؤلاء المتقاعدين ، وتخفيف معاناتهم ومد يد العون والرعاية لهم ، هذه الآلية تبدأ بإعادة النظر في رواتب التقاعد وحدها الأدنى بحيث يناسب احتياجات المتقاعد ، تقيه شر الفاقة وذل الاستجداء والديون وآثارها المدمرة على أولاده ومن ثم المجتمع .

ومن الخطأ أن نقول إن رعاية المتقاعدين هي مسؤولية الدولة أو الحكومة فقط ، فهؤلاء المتقاعدون هم أباؤنا وأمهاتنا وقد استفدنا من عطائهم أيام شبابهم ، لذا فمن الوفاء والإنصاف أن نشارك جميعاً في رعايتهم ، ولا بد أن تتحمل المؤسسات الأهلية والاجتماعية مسؤوليتها في رعاية هذه الفئة ، من خلال جمعيات وهيئات ، تقدم خدماتها للمتقاعدين وتستثمر خبراتهم العملية والحياتية في خدمة المجتمع وسد النقص الموجود في مجالات العمل الاجتماعي وغيرها من الأعمال الأخرى .

فالوفاء يقتضي ذلك ، فالكبر لا يعني أبداً أن نطلب من أباءنا وأمهاتنا أن يقضوا ما تبقى لهم في الحياة ينتظرون النهاية الحتمية بالموت ، فالإنسان أكرم من أن يكون خيلاً تنتفي فائدته في نهاية السباق .

الأكثر قراءة